الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **
وأما [ميراث البنتين] فقد قال تعالى: فدل القرآن على أن البنت لها مع أخيها الذكر الثلث، ولها وحدها النصف ولما فوق اثنتين الثلثان. بقيت البنت إذا كان لها مع الذكر الثلث لا الربع، فأن يكون لها مع الأنثى الثلث لا الربع أولى وأحرى، ولأنه قال: وهذه الدلالة تظهر من قراءة النصب وأيضًا، فإن اللّه لما قال في الأخوات: وأيضًا، فسنة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لما أعطى ابنتي سعد بن الربيع الثلثين، وأمهما الثمن، والعم ما بقي. وهذا إجماع لا يصح فيه خلاف عن ابن عباس. /ودلت آية [الولد] علـى أن حكـم ما فوق الاثنين حكم الاثنتين، فكذلك قال في الأخوات: ولما بين حكم الأخت الواحدة، والأخ الواحد وحكم الأختين فصاعدًا، بقى بيان الابنتين فصاعدًا من الصنفين، ليكون البيان مستوعبا للأقسام. ولفظ [الأخوة] وسائر جميع ألفاظ الجمع قد يعني به الجنس من غير قصد القدر منه، فيتناول الاثنين فصاعدًا. وقد يعني به الثالثة فصاعدًا. وفي هذه الآية إنما عني به العدد مطلقًا؛لأنه بين الواحدة قبل ذلك، ولأن ما ذكره من الأحكام في الفرائض فرق فيه بين الواحد والعدد، وسوى فيه بين مراتب العدد الاثنين والثلاثـة، وقـد صرح بذلك في قوله: فدل على أن صيغة الجمع في آيات الفرائض تناولت العدد مطلقا: الاثنين فصاعدًا؛ لقوله:
وأما [الجدة] فكما قال الصديق: ليس لها في كتاب اللّه شيء؛ فإن الأم المذكورة في كتاب اللّه مقيدة بقيود توجب اختصاص الحكم بالأم الدنيا، فالجدة وإن سميت أما لم تدخل في لفظ الأم المذكورة في الفرائض، فأدخلت في لفظ الأمهات في قوله: وقد تنازع الناس في [الجدات] فقيل: لا يرث الاثنتان؛ أم الأم، وأم الأب؛ كقول مالك، وأبي ثور. وقيل: لا يرث إلا ثلاث؛ هاتان، وأم الجد؛ لما روى إبراهيم النخعي: أن النبي صلى الله عليه وسلم/قال: (ورث ثلاث جدات: جدتيك من قبل أبيك، وجدتك من قبل أمك) وهذا مرسل حسن؛ فإن مراسيل إبراهيم من أحسن المراسيل. فأخذ به أحمد. ولم يرد في النص إلا توريث هؤلاء. وقيل: بل يرث جنس الجدات المدليات بوارث، وهو قول الأكثرين؛ كأبـي حنيفة، والشافعي، وغيرهما، وهو وجه في مذهب أحمد. وهذا القول أرجح؛ لأن لفظ النص وإن لم يرد في كل جدة، فالصديق لما جاءته الثانية قال لها: لم يكن السدس التي أعطى إلا لغيرك؛ ولكن هي لو خلت به فهو لها. فورث الثانية، والنص إنما كان في غيرها. ولأنه لا نزاع أن من علت بالأمومة ورثت، فترث أم أم الأب، وأم أم الأم بالاتفاق، فيبقى أم أبي الجد. أي فرق بينها وبين أم الجد؟ ! وإن فرق بين أم الأب وأم الجد. ومعلوم أن أبا الجد يقوم مقام الجد، بل هو جد أعلا، كذلك الجد كالأب، فأي وصف يفرق بين أم أم الأب، وأم أبي الجد؟ ! يبين ذلك أن أم أم الميت وأم أبيه بالنسبة إليه سواء؛ فكذلك أم أم أبيه وأم أبي أبيه بالنسبة إلى أبيه سواء، فوجب اشتراكهما في الميراث. وأيضًا، فهؤلاء جعلوا أم أم الأم وإن زادت أمومتها تـرث، وأم أبي الأب لا ترث. ورجحوا الجدة من جهة الأم على الجدة من جهة الأب. وهذا ضعيف، فلم تكن أم الأم أولى به من أم الأب، وأقارب الأم لم/يقدموا في شيء من الأحكام، بل أقارب الأب أولى في جميع الأحكام، فكذلك في الحضانة. والصحيح أنها لا تسقط بابنها ـ أي الأب ـ كمـا هو أظهر الروايتين عن أحمد؛ لحديث ابن مسعود، ولأنها ولو أدلت به فهي لا ترث ميراثه، بل هي معه كـولد الأم مع الأم لم يسقطوا بها. وقول من قال: من أدلى بشخص سقط به، باطل طردًا وعكسا؛ باطل طردا بولد الأم مع الأم، وعكسا بولد الابن مع عمهم، وولد الأخ مع عمهم. وأمثال ذلك مما فيه سقوط شخص بمن لم يدل به، وإنما العلة أنه يرث ميراثه، فكل من ورث ميراث شخص سقط به إذا كان أقرب منه، والجدات يقمن مقام الأم فيسقطن بها وإن لم يدلين بها. وأما كون [بنات الابن مع البنت] لهن السدس تكملة الثلثين، وكذلك الأخوات من الأب مع أخت الأبوين؛ فلأن اللّه قال: وكذلك في الأخت من الأبوين مع الأخت من الأب، أخبر ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى للبنت بالنصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين. وأما إذا استكملت البنات الثلثين لم يبق فرض، فإن كان هناك عصبة من ولد النبين فالمال له، لأنه أولى ذكر، وإن كان معه أو فوقه عصبها عند جمهور الصحابة والعلماء كالأربعة وغيرهم. وأما ابن مسعود فإنه يسقطها؛ لأنها لا ترث مفردة. والنزاع في الأخت للأب مع أخيها إذا استكمل البنات الثلثين. فالجمهور يجعلون البنات عصبة مع إخوانهن، يقتسمون الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين، سواء زاد ميراثهن بالتعصيب أو نقص، وتوريثهن هنا أقوى، وقول ابن مسعود معروف في نقصانهن.
وفي من [عمي موتهم] فلم يعرف أيهم مات أولًا، فالنزاع مشهور فيهم. والأشبه بأصول الشريعة أنه لا يرث بعضهم من بعض، بل يرث كل واحد ورثته الأحياء، وهو قول الجمهور، وهو قول في مذهب أحمد، لكن خلاف المشهور في مذهبه، وذلك لأن المجهول كالمعدوم في الأصول، كالملتقط لما جهل حال المالك كان المجهول كالمعدوم، فصار مالكا لما التقطه، لعدم العلم بالملك. وكذلك [المفقود]، قد أخذ أحمد بأقوال الصحابة الذين جعلوا المجهول كالمعدوم، فجعلوها زوجة الثاني ما دام الأول مجهولا باطنا وظاهرًا، كما في اللقط، فإذا علم صار النكاح موقوفا على إجازته ورده، فخير بين امرأته والمهر. فإن اختار امرأته كانت زوجته، وبطل نكاح الثاني، ولم يحتج إلى طلاقه. والمقصود هنا أن أحمد تبع الصحابة الذين جعلوا المجهول كالمعدوم، وهنا إذا كان أحدهما قد مات قبل الآخر فذاك مجهول، والمجهول كالمعدوم فيكون تقدم أحدهما على الآخر معدوما فلا يرث أحدهما صاحبه. وأيضًا، فالميراث جعل للحي ليكون خليفة للميت ينتفع بماله.
/ فأجاب: للأخت النصف، والباقي للعم، وذلك باتفاق المسلمين.
فأجاب: للبنت النصف، ولابن العم الباقـي، ولا شيء للأخ من الأم، لكن إذا حضر القسمة فينبغي أن يرضخ له. والبنت تسقط الأخ من الأم في مذهب الأئمة الأربعة. واللّه أعلم.
/فأجاب: للزوج الربع، وللأبوين السدسان، وهو الثلث، والباقي للولدين أثلاثا؛ ثم ما تركـه الأب فلجدته سدسه، ولأبيه الباقي، ولاشيء لأخته، ولا جده، بل كلاهما يسقط بالأب.
فأجاب: للأم السدس، ولأخوته من الأم الثلث، والباقي لأخوته من أبيه، للذكر مثل حظ الأنثيين. واللّه أعلم.
فأجاب: للزوج النصف، وأما ابن الأخت ففي أحد الأقوال له الباقي، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وأحمد في المشهور عنه وطائفة من أصحاب الشافعي. /وفي القول الثاني: الباقي لبيت المال، وهو قول كثير من أصحاب الشافعي، وأحمد في إحدى الروايات. وأصـل هـذه المسـألة: تنـازع العلمـاء في [ذوي الأرحـام] الذين لا فـرض لهم، ولا تعصيب. فمذهـب مالك والشافعي وأحمد في رواية: أن من لا وارث له بفرض ولا تعصيب يكون ماله لبيت مال المسلمين. ومذهب أكثر السلف وأبي حنيفة، والثوري، وإسحاق، وأحمد في المشهور عنه، يكون الباقي لذوي الأرحام
فأجاب: للزوجة الربع، وللأخت لأبوين النصف، ولا شيء لبنات الأخ. والربع الثاني إن كان هناك عصبة فهو للعصبة، وإلا فهو مردود على الأخت على أحد قولي العلماء، وعلى الآخر هو لبيت المال.
/ فأجاب: أما الميراث فنصفه للبنت، ونصفه لأبناء الأخ. وأما حضانة الجارية فهي لبنت العم، دون العم من الأم، ودون ابن العم الذي ليس بمحرم وله الولاية على المال الذي لليتيمة لوصى أو نوابه.
فأجاب: إذا مات الميت وترك بنتيه، وأخاه من أمه، فلا شيء لأخيه لأمه باتفاق الأئمة، بل للبنتين الثلثان، والباقي للعصبة، إن كان له عصبة، وإلا فهو مردود على البنتين، أو بيت المال.
/ فأجاب: للزوجة الثمن وللبنتين الثلثان، وللأخوة خمسة قراريط، بين الأخ والأخت أثلاثا. فتحصل للزوجة ثلاثة قراريط، ولكل بنت ثمانية قراريط، وللأخ ثلاثة قراريط وثلث، وللأخت قيراط وثلثا قيراط.
فأجاب: هذا في أحد قولي العلماء هو الوارث، وفي الآخر بيت المال الشرعي.
الجواب: مذهب الإمام أحمد وغيره ممن يقول بالتنزيل ـ كما نقل نحو ذلك عن الصحابة والتابعين، وهو قول الجمهور ـ فتنزيل كل واحد من ذوي الأرحام منزلة من أدلى به، قريبا كان أو بعيدا، ولا يعتبر القرب إلى الوارث، ثم اتحدت الجهة، فإن أولاد العم لهم ثلثا المال وأولاد ابن عم الأم ثلث المال، فإن أولئك ينتهي أمرهم إلى الأم. وإذا وجد أم مع أب، أو مع جد، كان للأم الثلث، والباقي له. واللّه أعلم.
فأجاب: للزوجة من تركة الميت الأول الثمن، والباقي للإخوة الذين هم أولاد الميت، ثم الأخ الأول لأمه سدس تركته، والباقي لأخويه. والأخ الثاني لأمه ثلث تركته، والباقي لأخيه، والأخ الثالث لأمه سدس التركة، والباقي لابنه.
/ فأجاب: الحمد للّه، الميراث جميعه لابن عمه من الأب، وأما إخوة أبيه من الأم فلا ميراث لهما، وهذا باتفاق المسلمين، لكن ينبغي للميت أن يوصى لقرابته الذين لا يرثونه، فإذا لم يوص فينبغي إذا حضروا القسمة أن يعطوا منه، كما قال تعالى:
فأجاب: الحمد للّه، الميت الأول لزوجته الثمن، والباقي لبنيه وبناته للذكر مثل حظ الأنثيين، ولا شيء لابن الأخ، فيكـون للزوجة ثلاثـة قراريط، ولكل ابن سبعـة قراريـط، وللبنتين سبعة قراريط. ثم الابن الأول لما مات خلف أخاه وأختين وأمه، والأخ الثاني خلف أختيه وأمه وابن عمه. والحمل إن كان موجودًا عند موت أحدهما ورثا منه؛ لأنه أخوه من أمه. وينبغي لزوج المرأة أن يكف عن وطئها من حين موت هذا. وهذا كما أمر بذلك علي بن أبي طالب ـ رضي اللّه عنه ـ فإنه إذا لم يطأها وولدته، علم أنه كان موجودًا وقت الموت، وإذا وطئها وتأخر الحمل اشتبه، لكن من أراد من الورثة أن يعطي حقه أعطى الثلثين ووقف للحمل نصيب، وهو الثلث. واللّه أعلم.
/فأجاب: الحمد للّه رب العالمين، أما الميراث من المال فإنه لورثته، والقاتل لا يرث شيئًا باتفاق الأئمة، بل للأم الثلث، والأخ من الأم السدس والباقي لابن العم، ولا شيء للجد أبي الأم. وأما [الوقف] فيرجع فيه إلى شرط الواقف الموافق للشرع. وأما [دم المقتول] فإنه لورثته، وهم الأم، والأخ، وابن العم القاتل في مذهب الشافعي، وأحمد وغيرهما. ومذهب مالك أنهم إن اختلفوا، فأرادت الأم أمرًا، وابن العم أمرًا، فإنه يقدم ما أراده ابن العم، وهو ذو العصبية في إحدى الروايات التي اختارها كثير من أصحابه. وفي الثانية ـ وهي رواية ابن القاسم التي عليها العمل عند المغاربة ـ: أن الأمر أمر من طلب الدم، سواء كان هو العاصب، أو ذات الفرض. والرواية الثالثة كمذهب الشافعي: أن من عفا من الورثة صح عفوه، وصار حق الباقين في الدية. لكن ابن العم، هل يقتل أباه؟ هذا فيه قولان أيضًا: أحدهما: لا يقتله؛ كمذهب الشافعي وأحمد في المشهور عنه. وفي الثاني: يقتله؛ كقول مالك، وهو قول في مذهب أحمد، لكن القود ثبت للمقتول، ثـم انتقل إلى الورث، لكن كـره مالك له قتله، ومن وجب له القود فله أن يعفو، وله أن يأخذ الدية، وإذا عفا بعض المستحق للقود سقط، وكان حق الباقين في الدية. وله أن يأخذ الدية بغير رضا القاتل في مذهب الشافعي/وأحمد في المشهور، وفي رواية أخرى: لا يأخذ الدية إلا برضا القاتل، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك. وإذا سقط القود عن قاتل العمد، فإنه يضرب مائة جلدة، ويحبس سنة عند مالك، وطائفة من أهل العلم، دون الباقين.
جــــدتي أمـه وأبي جـــده ** وأنا عمــــة له وهـو خـــالي أفتنا يا إمـــام رحمـــك اللّــ ** ـــه ويكفيـك حادثات الليـــالي فأجاب ـ رحمه اللّه: رجــل زوج ابنـــه أم بنتـه ** وأتى البنت بالنكاح الحـلال فأتت منه ببنت قالت الشعــــ ** ـــر قــالت لابــن هاتيــك خالي رجل تزوج امرأة وتزوج ابنه بأمها، ولد له بنت، ولابنه ابن، فبنته هي المخاطبة بالشعر فجدتها أم أمها هي أم ابن الابن ـ زوجة الابن ـ وأبوها جد ابن ابنه، وهي عمته أخت أبيه من الأب، وهو خالها أخو أمها من الأم. واللّه أعلم.
/ فأجاب: زوج، وأم، واثنان من ولد الأم، وحمل من الأب، والمرأة الحامل ليست أم الميت، بل هي زوجة أبيها. فللزوج النصف، وللأم السدس ولولد الأم الثلث. فإن كان الحمل ذكرًا فهو أخ من أب فلا شيء له باتفاق العلماء. وإن كان الحمل أنثى فهو أخت من أب، فيفرض لها النصف، وهو فاضل عن السهام. فأصلها من ستة، وتعول إلى تسعة. وأما إن كان الحمل من أم الميت، فهكذا الجواب في أحد قولي العلماء من الصحابة، ومن بعدهم، وهـو مذهب أبي حنيفة، وأحمد في المشهور عنه. وعلى القول الآخر: إن كان الحمل ذكرًا يشارك ولد الأم، كواحد منهم، ولا يسقط، وهو مذهب مالك، والشافعي، وأحمد في رواية عنه.
/ فأجاب: أما الطلاق فإنه يقع إن كان عاقلا مختارًا، لكن ترثه عند جمهور أئمة الإسلام، وهو مذهب مالك، وأحمد، وأبي حنيفة، والشافعي في القول القديم، كما قضى به عثمان بن عفان في امرأة عبد الرحمن بن عوف. فإنه طلقها في مرض موته، فورثها منه عثمان. وعليها أن تعتد أبعد الأجلين؛ من عدة الطلاق، أو عدة الوفاة. وأما إن كان عقله قد زال فلا طلاق عليه.
/فأجاب: الحمد للّه رب العالمين، هذه المسألة مبنية على [مسألة المطلق بعد الدخول في مرض الموت]. والذي عليه جمهور السلف والخلف: توريثها؛ كما قضى بذلك عثمان بن عفان ـ رضي اللّه عنه ـ لامرأة عبد الرحمن بن عوف؛ تماضر بنت الأصبغ، وقد كان طلقها في مرضه، وهذا مذهب مالك، وأحمد، وأبي حنيفة والشافعي في القديم. ثم على هذا، هل ترث بعد انقضاء العدة؟ والمطلقة قبل الدخول؟ على قولين للعلماء: أصحهما أنها ترث أيضًا، وهو مذهب مالك، وأحمد في المشهور عنه، وقول للشافعي؛ لأنه قد روي أن عثمان ورثها بعد انقضاء العدة؛ ولأن هذه إنما ورثت لتعلق حقها بالتركة لما مرض مرض الموت، وصار محجورًا عليه في حقها، وحق سائر الورثة، بحيث لا يملك التبرع لوارث، ولا يملكه لغير وارث بزيادة على الثلث، كما لا يملك ذلك بعد الموت، فلما كان تصرفه في مرض موته بالنسبة إلى الورثة كتصرفه بعد الموت لا يملك قطع إرثها، فكذلك لا يملك بعد مرضه، وهذا هو [طلاق الفار] المشهور بهذا الاسم عند العلماء وهو القول الصحيح الذي أفتى به.
/فأجاب: هذه المطلقة إن كانت مطلقة طلاقا رجعيًا، ومات زوجها، وهي في العدة ورثته باتفاق المسلمين، وإن كان الطلاق بائنا كالمطلقة ثلاثًا، ورثته ـ أيضًا ـ عند جماهير أئمة الإسلام، وبه قضى أمير المؤمنين عثمان بن عفان ـ رضي اللّه عنه ـ لما طلق عبد الرحمن بن عوف زوجته بنت الأصبغ الكلبية، طلقها ثلاثا في مرض موته، فشاور عثمان الصحابة فأشاروا على أنها ترث منه، ولم يعرف عن أحد من الصحابة في ذلك خلاف. وإنما ظهر الخلاف في خلافة ابن الزبير، فإنه قال: لو كنت أنا لم أورثها، وابن الزبير قد انعقد الإجماع قبل أن يصير من أهل الاجتهاد، وإلى ذلك ذهب أئمة التابعين، ومن بعدهم، وهو مذهب أهل العراق؛ كالثوري، وأبي حنيفة، وأصحابه، ومذهب أهل المدينة؛ كمالك، وأصحابه، ومذهب فقهاء الحديث؛ كأحمد بن حنبل، وأمثاله، وهو القول القديم للشافعي، وفي الجديد وافق ابن الزبير؛ لأن الطلاق واقع بحيث لو ماتت هي لم يرثها هو بالاتفاق، فكذلك لا ترثه هي، ولأنها حرمت عليه بالطلاق، فلا يحل له وطؤها، ولا الاستمتاع بها، فتكون أجنبية، فلا ترث. والجمهور قالوا: إن المريض مرض الموت قد تعلق الورثة بماله من حين المرض، وصار محجورًا عليه بالنسبة إليهم، فلا يتصرف في مرض موته من التبرعات، إلا ما يتصرفه بعد موته، فليس له في مرض الموت أن يحـرم بعض الورثة ميراثه، ويخص بعضهم بالإرث، كما ليس له ذلك بعد الموت، وليس له أن يتبرع لأجنبي بما زاد على الثلث في مرض موته، كما لا يملك ذلك بعد الموت. /وفي الحديث: (من قطع ميراثا قطع اللّه ميراثه من الجنة)، وإذا كان كذلك فليس له بعد المرض أن يقطع حقها من الإرث، لا بطلاق، ولا غيره. وإن وقع الطلاق بالنسبة له، إذ له أن يقطع نفسه منها، ولا يقطع حقها منه. وعلى هذا القول ففي وجوب العدة نزاع. هل تعتد عدة الطلاق أو عدة الوفاة؟ أو أطولهما؟ على ثلاثة أقوال: أظهرها أنها تعتد أبعد الأجلين، وكذلك هل يكمل لها المهر؟ قولان: أظهرهما أنه يكمل لها المهر أيضًا؛ فإنه من حقوقها التي تستقر، كما تستحق الإرث.
فأجاب: هذه المسألة فيها تفصيل ونزاع بين العلماء. فمنهم من فرق بين أن يطلق معينة وينساها، أو يجهل عينها؛ وبين أن يطلق مبهمة، ويموت قبل تمييزها بتعيينه أو تعريفه. ثم منهم من يقول: يقع الطلاق بالجميع؛ كقول مالك. ومنهم من يقول لا يقع إلا بواحدة؛ كقول الثلاثة، وإذا قدر تعيينها، ولم تعين، فهل تقسم/التركة بين المطلقة وغيرها، كما يقوله أبو حنيفة؟ أو يوقف الأمر حتى يصطلحا كما يقول الشافعي؟ أو يقرع بين المطلقة وغيرها كما يقول أحمد وغيره من فقهاء الحديث؟ على ثلاثة أقوال. والقرعة بعد الموت هي قرعة على المال؛ فلهذا قال بها من لم ير القرعة في المطلقات. والصحيح في هذه المسألة ـ سواء كانت المطلقة مبهمة أو مجهولة ـ أن يقرع بين الزوجتين، فإذا خرجت القرعة على المسلمة لم ترث هي ولا الذمية شيئًا، أما هي فلأنها مطلقة، وأما الذمية فإن الكافر لا يرث المسلم، وإن خرجت القرعة على الذمية ورثت المسلمة ميراث زوجة كاملة. هذا إذا كان الطلاق طلاقا محرما للميراث، مثل أن يبينها في حال صحته. فأما إن كان الطلاق رجعيا في الصحة والمرض، ومات قبـل انقضاء العدة فهذه زوجته ترث، وعليها عدة الوفاة باتفاق الأئمة، وتنقضى بذلك عدتها عند جمهورهـم؛ كمالك والشافعي، وأبي حنيفة، وهو قول أحمد في إحدى الروايتين. والمشهور عنه أنها تعتد أطول الأجلين من مدة الوفاة والطلاق. وإن كان الطلاق بائنا في مرض الموت فإن جمهور العلماء على أن البائنة في مرض الموت ترث، إذا كان طلقها طلاقا فيه قصد حرمانها الميراث. هذا قول مالك. وهو يرثها وإن انقضت عدتها وتزوجت، وهو مذهب أبي حنيفة وهو يرثها ما دامت في العدة، وهو المشهور عنه، ما لم تتزوج. وللشافعي ثلاثة أقوال كذلك، لكن قوله الجديد: أنها لا ترث. /وأما إذا لم يتهم بقصد حرمانها، فالأكثرون على أنها لا ترث، فعلى هذا لا ترث هذه المرأة؛ لأن مثل هذا الطلاق الذي لم يعين فيه، لا يظهر فيه قصد الحرمان، ومن ورثها مطلقًا ـ كأحمد في إحدى الروايتين ـ فالحكم عنده كذلك. وإذا ورثت المبتوتة فقيل: تعتد أبعد الأجلين، وهو ظاهر مذهب أحمد، وقول أبي حنيفة، ومحمد. وقيل: تعتد عدة الطلاق فقط، وهو قول مالك، والشافعي المشهور عنه، ورواية عن أحمد، وقول للشافعي. وأما صورة أنها لم تتبين المطلقة، فإحداهما وجبت عليها عدة الوفاة، والأخرى عدة الطلاق، وكل منهما وجبت عليه إحدى العدتين، فاشتبه الواجب بغيره؛ فلهذا كان الأظهر هنا وجوب العدتين على كل منهما؛ لأن الذمة لا تبرأ من أداء الواجب إلا بذلك.
/فأجاب: هذا فيه روايتان عن أحمد، إحداهما ـ وهو قول أبي حنيفة، ومالك، والشافعي ـ: أن الولاء يختص بالذكور. والثانية: أن الولاء مشترك بين النبين، والبنات، للذكر مثل حظ الأنثيين. واللّه أعلم.
فأجاب: إن كان الولد استلحقه في حياته، وقال: هذا ابني، لحقه النسب، وكان من أولاده، إذا لم يكن له أب يعرف غيره. وكذلك إن علم أن الجاريـة كانت ملكا للابن، فإن (الولد للفراش، وللعاهر الحجر).
فأجاب: هذا ينبغي له أن يعتقه باتفاق العلماء، بـل قد تنازع العلماء، هل يعتق عليه من غير إعتاق؟ على قولين: /أحدهما: أنه يعتق عليه، وهو مذهب أبي حنيفة، وقول القاضي أبي يعلى من أصحاب أحمد، ولكن مع هذا لا يرث هذا لهذا، ولا هذا لهذا. والثاني: لا يعتق عليه، وهو مذهـب مالك، والشافعي، وأحمد في المنصوص عنه. واللّه أعلم.
فأجاب: إذا كان قد وطئ الجارية المعتقة بغير نكاح، وهو يعلم أن الوطء حرام فولده ولد زنا، لا يرث هذا الواطئ، ولا يرثه الواطئ، في مذهب الأئمة الأربعة. واللّه أعلم.
فأجاب: يجوز عتق ولد الزنا، ويثاب بعتقه. واللّه أعلم .
فأجاب: الحمد للّه رب العالمين، إذا تزوج الرجل المرأة، وعلم أنها مملوكة. فإن ولدها منه مملوك لسيدها باتفاق الأئمة؛ فإن الولد يتبع أباه في النسب والولاء، ويتبع أمه في الحرية والرق. فإن كان الولد ممن يسترق جنسه بالاتفاق، فهو رقيق بالاتفاق، وإن كان ممن تنازع الفقهاء في رقه، وقع النزاع في رقه، كالعرب. والصحيح أنه يجوز [استرقاق العرب والعجم]؛ لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة ـ رضي اللّه عنه ـ قال: لا أزال أحب بني تميم بعد ثلاث/سمعتهن من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقولها فيهم، سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: (هم أشد أمتى على الرجال). وجاءت صدقاتهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هذه صدقات قومنا). قال: وكانت سبية منهم عند عائشة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اعتقيها فإنها من ولد إسماعيل). وفي لفظ لمسلم: ثلاث خلال سمعتهن من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في بني تميم، لا أزال أحبهم بعدها، كان على عائشة محرر، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (اعتقي من هؤلاء). وجاءت صدقاتهم فقال: (هذه صدقات قومي)، وقال: (هم أشد الناس قتلا في الملاحم). وفي الصحيحين ـ واللفظ لمسلم ـ عن أبي أيوب الأنصاري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال: لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل). ففي هذا الحديث أن بني إسماعيل يعتقون. فدل على ثبوت الرق عليهم، كما أمر عائشة أن تعتق عن المحرر الذي كان عليها [من بني إسماعيل]. وفيه: [من بني تميم] لأنهم من ولد إسماعيل. وفي صحيح البخاري عن مروان بن الحكم، والمسور بن مخرمة: أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين، فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (معي من ترون، /وأحب الحديث إلى أصدقه، فاختاروا إحدى الطائفتين، إما المال، وإما السبي وقد كنت استأنيت بكم)، وكان انتظرهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف، فلما تبين لهم أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين، قالوا: فإنا نختار سبينا؛ فقام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في المسلمين؛ وأثنى على اللّه بما هو أهله ثم قال: (أما بعد، فإن إخوانكم قد جاؤونا تائبين، وإني رأيت أن أرد إليهم سبيهم، فمن أحب منكم أن يطيب بذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه من أول ما يفيء اللّه علينا فليفعل). فقال الناس: طيبنا ذلك يا رسول اللّه. فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (إنا لا ندري من أذن في ذلك ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم)، فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم قد طيبوا، وأذنوا. ففي هذا الحديث الصحيح أنه سبي نساء هوازن، وهم عرب، وقسمهم بين الغانمين. فصاروا رقيقا لهم؛ ثم بعد ذلك طلب أخذهم منهم، إما تبرعا، وإما معاوضة، وقد جاء في الحديث أنه أعتقهم، كما في حديث عمر لما اعتكف وبلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق السبي، فأعتق جارية كانت عنده والمسلمون كانو يطؤون ذلك السبي بملك اليمين، كما في سبي أوطاس، وهو من سبي هوازن، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: (لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تستبرأ بحيضة). /وفي المسند للإمام أحمد عن عائشة ـ رضي اللّه عنها ـ قالت: قسم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق، فوقعت جويرية بنت الحارث لثابت بن قيس بن شماس، أو لابن عم له، كاتبته على نفسها، وكانت امرأة حلوة ملاحة، فأتت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول اللّه، أنا جويريـة بنت الحارث بن أبي ضرار، سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك، وجئتك أستعينك على كتابتي، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (هل لك في خير من ذلك؟ قالت: وما هو يا رسول اللّّه؟ قال: (أقضـي كتابتـك، وأتزوجـك). قالت: نعم، يا رسول اللّه، قال: (قد فعلت)، قالت: وخرج الخبر إلى الناس أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية بنت الحارث، فأرسلوا ما بأيديهم، قالت: فقد عتق بتزوجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، وما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها. وهذه الأحاديث ونحوها مشهورة، بل متواترة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسبي العرب وكذلك خلفاؤه بعده، كما قال الأئمة وغيرهم: سبى النبي صلى الله عليه وسلم العرب، وسبى أبو بكر بني ناحية، وكان يطارد العرب بذلك الاسترقاق، وقد قال الله لهم: /وإذا سبيت واسترقت بدون زوجها جاز وطؤها بلا ريب، وإنما فيه خلاف شاذ في مذهب أحمد، وحكى الخلاف في مذهب مالك. قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن المرأة إذا وقعت في ملك ولها زوج مقيم بدار الحرب، أن نكاح زوجها قد انفسخ، وحل لمالكها وطؤها بعد الاستبراء، وأما إذا سبيت مع زوجها ففيه نزاع بين أهل العلم. ومعلوم أن عامة السبي الذي كان يسبيه النبي صلى الله عليه وسلم كان في [الحرب]، وقد قاتل أهل الكتاب، فإنه خرج لقتال النصارى عام تبوك، ولم يجر بينهم قتال، وقد بعث إليهم السرية التي أمر عليها زيد، ثم جعفر، ثم عبد الله بن رواحة. ومع هذا فكان في النصارى العرب، والروم. وكذلك قاتل اليهود بخيبر والنضير وقينقاع؛ وكان في يهود العرب، وبنو إسرائيل. وكذلك يهود اليمن، كان فيهم العرب، وبنو إسرائيل. وأيضًا، فسبب الاسترقاق هو [الكفر] بشرط [الحرب]، فالحر المسلم لا يسترق بحال، والمعاهد لا يسترق، والكفر مع المحاربة موجود في كل كافر، فجاز استرقاقه، كما يجوز قتاله، فكل ما أباح قتل المقاتلة أباح سبي الذرية؛ وهذا حكم عام في العرب والعجم، وهذا مذهب مالك والشافعي في الجديد من قوليه، وأحمد. وأما أبو حنيفـة فلا يجوز استرقاق العرب، كما لا يجوز ضرب الجزية عليهم؛ لأن العرب اختصوا بشرف النسب؛ لكون النبي صلى الله عليه وسلم منهم، /واختص كفارهم بفرط عدوانه؛ فصار ذلك مانعا من قبول الجزية، كما أن المرتد لا تؤخذ منه الجزية؛ للتغليظ؛ ولما حصل له من الشرف بالإسلام السابق. واحتج بما روي عن عمر أنه قال: ليس على عربي ملك. والذين نازعوه لهم قولان في جواز استرقاق من لا تقبل منه الجزية، هما روايتان عن أحمد. إحداهما: أن الاسترقاق كأخذ الجزية، فمن لم تؤخذ منه الجزية لا يسترق، وهذا مذهب أبي حنيفة وغيره وهو اختيار الخرقي، والقاضي وغيرهما من أصحاب أحمد، وهو قول الاصطخري من أصحاب الشافعي. وعند أبي حنيفة تقبل الجزية من كل كافر، إلا من مشركي العرب، وهو رواية عن أحمد. فعلى هذا لا يجوز استرقاق مشركي العرب؛ لكون الجزية لا تؤخذ منهم، ويجوز استرقاق مشركي العجم، وهو قول الشافعي؛ بناء على قوله: إن العرب لا يسترقون. والرواية الأخرى عن أحمد: أن الجزية لا تقبل إلا من أهل الكتاب، والمجوس، كمذهب الشافعي. فعلى هذا القول في مذهب أحمد: لا يجوز استرقاق أحد من المشركين، لا من العرب، ولا من غيرهم كاختيار الخرقي، والقاضي وغيرهما. وهذان القولان في مذهب أحمد لا يمنع فيه الرق؛ لأجل النسب، لكن لأجل الدين. فإذا سبي عربية فأسلمت /استرقها، وإن لم تسلم أجبرها على الإسلام. وعلى هذا يحملون ما كان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة يفعلونه من استرقاق العرب. وأما الرقيق الوثني، فلا يجوز إقراره عندهم برق، كما يجوز بجزية. وهذا كما أن الصحابة سبوا العربيات والوثنيات؛ ووطؤوهم؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تستبرأ بحيضة). ثم الأئمة الأربعة متفقون على أن الوطأ إنما كان بعد الإسلام؛ وأن وطـء الوثنية لا يجوز، كما لا يجوز تزويجها. والقول الثاني: أنه يجوز استرقاق من لا تؤخذ منهم الجزية من أهل الأوثان، وهو مذهب الشافعي، وأحمد في الرواية الأخرى؛ بناء على أن الصحابة استرقوهم؛ ولم نعلم أنهم أجبروهم على الإسلام؛ ولأنه لا يجوز قتلهم، فلابد من استرقاقهم، والرق فيه من الغل ما ليس في أخذ الجزية. وقد تبين مما ذكرناه أن الصحيح جواز استرقاق العرب. وأما [الأثر] المذكـور عن عمر ـ إذا كان صحيحـا صريحا في محل النزاع ـ فقد خالفه أبو بكر وعلى؛ فإنهم سبوا العرب. ويحتمل أن يكون قول عمر محمولا على أن العرب أسلموا قبل أن يسترق رجالهم، فلا يضرب عليهم رق، كما أن قريشا أسلموا كلهم فلم يضرب عليهم رق؛ لأجل إسلامهم، لا لأجل النسب، ولم تتمكن الصحابة من سبي نساء قريش، كما تمكنوا /من سبي نساء طوائف من العرب؛ ولهذا لم يسترق منهم أحد، ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن سبيهم شيء. وأما إذا تزوج العربي مملوكة فنكاح الحر للمملوكة لا يجوز إلا بشرطين: خوف العنت، وعدم الطول إلى نكاح حرة، في مذهب مالك والشافعي وأحمد. وعللوا ذلك بأن تزوجه يفضي إلى استرقاق ولده، فلا يجوز للحر العربي ولا العجمي أن يتزوج مملوكة إلا لضرورة، وإذا تزوجها للضرورة كان ولده مملوكا. وأما أبو حنيفة فالمانع عنده أن تكون تحته حرة، وهو يفرق في الاسترقاق بين العربي وغيره. وأما إذا وطئ الأمة بزنا فإن ولدها مملوك لسيدها بالاتفاق، وإن كان أبوه عربيا؛ لأن النسب غير لاحق. وأما إذا وطئها بنكاح، وهو يعتقدها حرة، أو استبرأها فوطئها يظنها مملوكته، فهنا ولده حر، سواء كان عربيا أو عجميا. وهذا يسمى [المغرور]. فولد المغرور من النكاح أو البيع حر؛ لاعتقاده أنه وطئ زوجة حرة، أو مملوكته. وعليه الفداء لسيد الأمة كما قضت بذلك الصحابة؛ لأنه فوت سيد الأمة ملكهم، فكان عليه الضمان. وفي ذلك تفريع ونزاع ليس هذا موضعه. واللّه أعلم.
/ فأجاب: الحمد للّه، لم يكن له أن يقتل نفسه، وإن كان سيده قد ظلمه، واعتدى عليه، بل كان عليه إذا لم يمكنه دفع الظلم عن نفسه أن يصبر إلى أن يفرج اللّه، فإن كان سيده ظلمه حتى فعل ذلك؛ مثل أن يقتر عليه في النفقة، أو يعتدي عليه في الاستعمال، أو يضربه بغير حق، أو يريد به فاحشة، ونحو ذلك؛ فإن على سيده من الوزر بقدر ما نسب إليه من المعصية. ولم يصل النبي صلى الله عليه وسلم على من قتل نفسه، فقال لأصحابه: (صلوا عليه)، فيجوز لعموم الناس أن يصلوا عليه. وأما أئمة الدين الذين يقتدي بهم فإذا تركوا الصلاة عليه زجرًا لغيره اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فهذا حق. واللّه أعلم.
/ فأجاب: إذا كانوا كما ذكروا يمنعهم ذلك الرجل من فعل ما أمر الله ورسوله، ويكرههم على فعل ما نهي الله عنه ورسوله، كان خروجهم من تحت يده جائزًا، بل واجبا. وقد أحسنوا فيما فعلوا، فإنه لا حرمة لمن يكون كذلك، إذ لو كان في طاعة المسلمين، فكيف إذا كان في طاعة التتر؟ فإنه يجب قتاله، وإن كان مسلما. وهؤلاء المهاجرون الذين فروا بأنفسهم قد أحسنوا في ذلك، والعبد إذا هاجر من أرض الحرب فإنه حر، ولا حكم عليه لأحد.
/ فأجاب: إذا اشترى مماليك للرجل بإذنه، فهم كذلك للرجل، وإذا أعتقهم بغير إذن المالك لم يصح عتقه. وإن اشتراهم بمال الرجل بغير إذنه فلصاحب المال أن يأخذهم، وله أن يغرم هذا الغاصـب مالـه. وإذا أعتقهم هذا المشتري فلصاحب المال أن يأخذهم، ويكون العتق باطلا. واللّه أعلم. آخر المجلد الحادي والثلاثين
|